بعد أن غنى على أكبر المسارح العالمية، ها هو الفنان مرسيل خليفة، إبن بلدة عمشيت، يطل ّ على جمهوره وأبناء بلدته الذين لطالموا انتظروه أن يغني على هذا الميناء الفينيقي للمدينة الأثرية. فليلة الخميس، السابع عشر من تموز، لن تكون حفلة عادية لمارسيل خليفة في مهرجانات بيبلوس، بل ستكون ظاهرة فنية رومنسية لهذا الفنان العاشق لبلدته ووطنه.
وفي إطار التحضيرات لهذه الليلة العظيمة، كان للفنان مرسيل خليفة لقاء مع بعض الصحافيين، في فندق "بيبلوس سور مير" في جبيل، حيث جرى بينهم حوارا ًمميزا ً، طرحنا خلاله عددا ً من الأسئلة على مرسيل الذي أطلعنا على بعض تفاصيل هذه الحفلة. كما وأتيحت لنا الفرصة للتعرف على معظم أعضاء الطاقم الموسيقي الذي سيشاركه في ليلته الفنية، منهم أميمة، جوليان، علي، عبير نعمة، محمد محسن، ومغنية السوبرانو "فيليستاس".
إليكم أبرز ما جاء في هذا الحوار:
١. تحد ّثت في السابق عن بداية جديدة... بداية إلى أين ونهاية لماذا؟
جبيل هي مدينتي، وأنا آتي إليها اليوم وفي داخلي قلق، هذا القلق الذي ينتابني مع كل حفلة جديدة، وكأنني أغني على المسرح للمرة الأولى. جبيل تعني لي الكثير، فهي مثل كل شيء أول... حب أول، قبلة أولى، قربانة أولى، وكل شيء أول يحفر في قلب الإنسان. هكذا هي جبيل، التي كلما أنظر إلى بحرها أتذكر جدي الذي كان صيادا ً، فكنت أرافقه دائما ً وأتمشى معه على هذا الميناء، الذي مشيت عليه بقدر الكيلومترات التي سافرتها في حياتي كلها. في جبيل، أتذكر طفولتي، فكنا نخرج من المدرسة لنذهب إلى السرايا، حيث كنا نقف بالصف تحت قطرات المطر أوأشعة الشمس، فننشد النشيد الوطني، كل على طريقته الخاصة. جئت من عمشيت إلى جبيل، عمشيت الضيعة الجميلة التي لها مكانة كبيرة في قلبي، فتعرفت هنا علي الوطن، تعرفت على الآخر. في جبيل تعرفت على التاريخ، تاريخ شعوب بنت قلعة وحضارة عريقة ثم رحلت. في جبيل تكو ّن عندي لبنان، تكو ّن عندي الوطن، هذا الوطن الذي للأسف أقفلوه ورموا مفتاحه ورحلوا وبقينا نحن.
٢. في ظل هذه الأوضاع السياسية الراهنة، ما هي الرسالة التي توجهها للشعي اللبناني والعربي من خلال أغانيك؟
هذه الحفلة بالذات ستكون مميزة للغاية، فهي ليست حفلة مناطقية، أي ليست تابعة فقط لمدينة جبيل وتوابعها، بل سيحضرها جمهور من مختلف أنحاء لبنان، حيث سيأتون من الجنوب والبقاع والجبل والشمال والساحل، وهذه هي فكرة الوطن التي نرسمها في خيالنا، بعيدا ً عن الاستقطاب السياسي الذي تمارسه حركتا ٨ و ١٤ آذار، فهذا الشهر الجميل صار له أرقام. نحن نريد أن نحيي حفلة تطال كل الفصول، من الشهر الأول وحتى الشهر الأخير من السنة. وهنا أود أن ألفت نظركم إلى أمر مهم، وهو أنكم تطرحون علي دائما ً أسئلة سياسية، وتنسون أنني أعمل في مجال مختلف تماما ً. فأنا لست وزيرا ً ولا نائبا ً ولا مستشار سياسي، إنما أنا أعمل في الموسيقى، وموسيقتي لم يكن يوما ً لها علاقة بالإديولوجية. قد يكون لي ميول سياسي معين، أو لدي عمل سياسي أقوم به وأفكر فيه يوميا ً، لكن فني هو خارج إطار الإيديولوجية تماما ً. أنا لا أساوم في نجاح عملي على أي مشروع آخر، فعملي ينجح لما يتمتع به من جمال وفن، ولا أريده أن يكون مستندا ً على أي شيء آخر. ولو كان هذا الفن مستندا ً على قضايا أخرى لما كنت اليوم معكم في جبيل. طبعا ً، تبقى ميولي الشخصية في اليسار، يسار الكون، يسار العالم، اليسار بمفهومه الأوسع.
باختصار، هذا المشروع في جبيل هو مشروع فني جمالي بحت.
٣. بالتأكيد إخترت لحفلتك في جبيل باقة مميزة من أجمل الأغاني، فهل ستكون أغاني قديمة أو جديدة؟ وماذا عن البرنامج والطاقم الموسيقي الذي سيرافقك؟
هذه الحفلة هي رحلة منذ البداية حتى اليوم، في إطار أوركسترالي كورالي غني. سيشاركني في الحفلة ٨٠ عازفا ً من الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية و٦٠ منشدا ً ومنشدة من جوقة جامعتي اللويزة والأنطونية، وسوليست من فرقة الميادين، أميمة، رامي، بشار، جوليان، علي، وضيافة عبير نعمة ومحمد محسن ومغنية السوبرانو "فيليستاس".
٤. كيف تصف تجربتك برامي وبشار، وماذا تخبرنا عن هذا التريو "مرسيل، رامي و بشار"؟
رامي وبشار هما مجنونان مثل كافة المجانين الذين سيشاركوني في هذه الحفلة. فالجنون هو عنوان مشروعي الموسيقي، مشروع الإبداع، هذا الإبداع الذي لا يكتمل بدون جنون.
رامي وبشار هما ولداي لكنهما صديقاي أيضا ً. لم أشعر يوما ً بأنني أنا من ربيتهما أو عرفت كيف أقوم بذلك. بالطبع هما يتمتعان بتربية صالحة، لكن سفري المستمر أبعدني عنهما كثيرا ً، وكنت أشعر في بعض الأحيان أنهما يلومانني لذلك. قالا لي يوما ً: "بما أننا لا نلتقي كثيرا ً، ما رأيك بأن نعمل تريو، وهكذا يمكننا أن نلتقي على المسرح وفي الحياة؟". لكن المشكلة في هذا التريو، أن كل واحد فيه له تفكيره المختلف وطريقته المختلفة، وهنا تحصل المشاكل خاصة ً أثناء التمرين.
كانت تجربة هذا التريو مميزة جدا ً، وقد سجلنا عملا ً في فرنسا وهو في طور التحضير. لا أريد أن أسميها تجربة عائلية بل هي علاقة جديدة ولكنها صعبة.
٥. أخيرا ً، ماذا تحب أن تقول للشباب العربي واللبناني الذي ما زال يحلم بغد مشرق ووطن جميل، خصوصا ً في ظل المشاكل التي تواجهنا؟
أنا أعتذر عن جوابي مسبقا ً، لكنني ضد الإطمئنان، فالأجواء ميؤوس منها، ولا أرى أي أمل قريب. الله لم يوفقنا لا بالسياسة ولا بالسياسيين. لكننا نحاول دائما ً أن نتحدى، ونقول لا، ونصرخ في وجه هذا المد القادح من القذارة. فالأرزة قد يبست على العلم، ودورنا نحن أن نسقيها لتعيش من جديد.